ابن معاضة الشهري: لا أعرف من أين جاءت "السمبوسة" للسعوديين ولا إفطار من دونها
الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري مشرف برنامج ملتقى التفسير، الذي يبث على قناة "دليل" وأستاذ مساعد بجامعة الملك سعود, لا يحب الإفطار إلا مع أسرته, ولا يفطر خارج بيته إلا نادراً جداً, ولا ينسى أبداً صيام شهر رمضان في قريته "الجهوة" التاريخية فوق جبال السروات, ويحب سماع صوت الشيخ عبدالباسط عبدالصمد لعذوبته وخصوصيته، ويقول "إذا سمعت الشيخ عبدالرحمن السديس تذكَّرت رمضان"، وأنه حفظ مقاطع للشيخ محمد صديق المنشاوي لا يمل من تكرارها، وحفظ سورة النساء من كثرة تكرار سماعه لها بصوت الشيخ علي جابر رحمه الله في الحرم, ويعشق السمبوسة ويقول "لا أدري من أين أتت، ولكنني أحبها على الإفطار مع شوربة كويكر ولا طعم لأحدهما إلا بالآخر"، ويضيف "أقول لأم عبدالله إذا لم تصنع السمبوسة وهذا نادر: فطورنا اليوم خداج", ويؤكد أنه لا يذهب إلى الأسواق فزوجته تحرص على شراء ما يحتاجه.
جاء ذلك في حوار "قبل الإفطار" مع الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري، وفيما يلي نصه:
* هل تذكر أول مرة صمتَ فيها شهر رمضان؟ وكم كان عمرك؟ وهل كان ذلك توجيهاً أم تقليداً؟.
- بدأت في رمضان 1401هـ تقريباً في الصف الثالث الابتدائي، وكان رمضان يأتي في إجازة الصيف، ولكنني – غفر الله لي – كنت أنسى كثيراً فآكل أو أشرب، ثم أتذكر بعد أن أنتهي أنني صائم، فأبدأ من جديد وهكذا، حيث سمعتُ حينها حديثاً فيه تجاوز عن مثل هذا التصرف: (من أكل ناسياً أو شرب ناسياً فلا يفطر فإنما هو رزق رزقه الله) فأعجبتني الرخصة، وكان عمري حينها ثماني سنوات تقريباً، وكان ذلك بتوجيه من والدي رحمه لله ووالدتي حفظها الله لتدريبنا على الصيام، وأذكر أن والدي رآني يوماً عند شجرة تين في البستان عصراً في رمضان وأنا آكل منها ولم أنتبه له، فصاح وهو يضحك: أين الصيام يا عبدالرحمن؟ فتظاهرت بمطاردة بعض العصافير وغادرت المكان، ولما جئنا للإفطار وقد تحلقنا على السفرة، سألني والدي سؤالاً ليحرجني أمام العائلة: ماذا كنت تفعل فوق شجرة التين؟ فأجبت دون تردد: كنت أقرأ القرآن! فضحك وضحكنا جميعاً، رحمه الله وغفر له وتجاوز عن جهلنا وتقصيرنا. وأرى ابني عبدالله يشرب في نهار رمضان ويدَّعي النسيان، فيبدو أن هذا وراثة.
* متى تستيقظ في الصباح؟ وهل لك برنامج محدد في الشهر الكريم؟ وهل هناك ما تحرص على أن تفعله غير العبادات؟.
- تتغير برامجنا في رمضان رغماً عنا، فأحرص على النوم ما استطعت في الليل ولو ساعة قبل السحور، وإن غلبت عليها أنام بعد شروق الشمس حتى الظهر أو قبيل الظهر بقليل. وأحرص في رمضان على الانقطاع في مكتبتي للبحث والقراءة وإعداد الدروس العلمية التي ألقيها في رمضان. وهي فرصة لمراجعة النفس، واستغلال أوقات الشهر في تهذيب الروح وتنقيتها من الذنوب طيلة العام.
* هل أنت ممن يحب كثرة الدعوات على الإفطار؟ أم تفضل الأسرة والعائلة؟.
- لا أحب الإفطار إلا مع أسرتي، وأعتذر بشدة عن أي دعوة للإفطار إلا إذا كانت ضرورية، وفي السنوات الأخيرة لم أفطر خارج منزلي إلا نادراً جداً، وإن كنتُ أحب أن يفطر عندي بعض الأصدقاء متى تيسرت لهم الفرصة.
* مَنْ قارئ القرآن الذي تحب أن تسمعه في شهر رمضان؟.
- للشيخ عبدالباسط عبدالصمد عذوبته وخصوصيته، فقد ارتبطت قراءته بأيام الطفولة فصادف قلباً خالياً فتمكنا، وإذا سمعت الشيخ عبدالرحمن السديس تذكرت رمضان، وبعض المقاطع للشيخ محمد صديق المنشاوي لا أمل من تكرارها، وسورة النساء حفظتها من كثرة تكرار سماعي لها بصوت علي جابر رحمه الله في الحرم.
* كيف ترى مَنْ يقلبون نهارهم ليلاً وليلهم نهاراً في رمضان؟ فينامون طوال اليوم، ويصحون طوال الليل؟.
- أسأل الله لي ولهم الهداية والقبول، وما لم يفرطوا في الصلاة مع الجماعة فالأمر سهل، ولكن المصيبة من يضيع الصلوات المفروضة بسبب ذلك.
* ماذا تفضل في رمضان؟ التلفاز أم النت أم البلاك بيري؟.
- أشاهد بعض البرامج حسب تيسر الأوقات عند الجلوس مع أسرتي بعد التراويح أحياناً، وأدخل للنت في أوقات متفرقة لمتابعة "ملتقى أهل التفسير" والكتابة فيه، ولمتابعة بريدي الإلكتروني، فقد أصبحت أكثر تعاملاتي بواسطة النت، فلم أعد أستطيع هجرها طويلاً، وما سوى ذلك مع مصحفي وكتابي.
* التمر والسمبوسة، الثنائي الذي لا بد منه في الإفطار على المائدة السعودية، لماذا؟ هل هما من العادات التي توارثناها؟.
- أما التمر فنعم، فهو سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وفوائده معروفة، وأما السمبوسة فلا أدري من أين أتت، ولكنني أحبها على الإفطار مع شوربة "كويكر" ولا طعم لأحدهما إلا بالآخر، وأقول لأم عبدالله إذا لم تصنع السمبوسة وهذا نادر: فطورنا اليوم خداج!.
* مَنْ تحب دعوته على الإفطار وتأنس به وتحب الجلوس إليه؟ وأي حديث تشتاق إلى سماعه أثناء الإفطار؟.
- والدتي حفظها الله هي التي أتمنى دائماً أن أفطر معها في بيتي، وحديثها أرتاح إليه كثيراً، وأحب سماع مفردات لهجة بني شهر في حديثها العذب، أحبابي وأصدقائي وهم كثيرون ولله الحمد، وكثيراً ما يشرفني أصدقائي بالإفطار عندي وبخاصة بعض ضيوفي في برنامج التفسير المباشر الذين يأتون من خارج الرياض، فإنني أتشرف بإفطارهم معي، وأجمل الحديث عندي الحديث في مسائل العلم والتفسير والأدب واللغة.
* ما رأيك في مَنْ يتجولون بين المساجد في صلاة التراويح بحثاً عن الصوت الجميل في التلاوة؟ وهل تُصلِّي في مسجد معين؟.
- أشفق عليهم، وأسأل الله لهم القبول، وكنتُ أفعل ذلك قديماً حين لم أكن إماماً، ومنذ توليت الإمامة أصبحت أًصلي بجماعة مسجدي، والآن بعد انتقالي من المسجد أصلي في مسجد الحي بجانب منزلي.
* هل لديك شهرٌ من شهور رمضان لن تنساه، حيث يُذكِّرك بأشياء كثيرة ومهمة جداً؟.
- عام 1415هـ صمت مع والدي رحمه الله ووالدتي في النماص، وتفرغت ذاك الشهر لتعليم القرآن في مسجد القرية وإمامة المصلين، وكنت في أول عملي معيداً في كلية الشريعة بأبها، وأجواء النماص رائعة، والخلوة لا يقطعها إلا أصوات العصافير حول منزلنا في تلك الزاوية الهادئة في قرية الجهوة التاريخية فوق جبال السروات، وكثير من كبار أهل القرية لا زالوا حينها على قيد الحياة ننتفع بهم وبحديثهم ووجودهم بيننا، وكنت أخرج على قدمي لبعض الجبال القريبة من القرية فأتمشى وأراجع بعض محفوظاتي استعداداً للتراويح، والحياة في القرى الهادئة لا نظير لها، ولا زلت حتى اليوم أتحسَّر على تلك الأيام، وإن كانت قد أقفرت اليوم، و(مَنْ أَوحشتهُ الديارُ لَم يُقِمِ).
* من الشخص الذي غاب عنك وتتذكره في هذا الشهر الكريم؟.
- والدي معاضة بن حنش بن عبدالله رحمه الله وجزاه عني خير الجزاء، لا تكاد تفارق صورته خيالي، فقد كان رجلاً كثير التأله والدعاء لي ولإخواني بالخير، وكان يحب مكارم الأخلاق، ويحرص على دعوة الفقراء الذين يغشون المسجد إلى الإفطار، ويأمرني بتجهيز سفرة خاصة لهم وخدمتهم، وقد أدركت بعد وفاته تلك المعاني التي كان يربينا عليها، جعلها الله في موازين حسناته يوم القيامة، وأسأل الله أن يجمعنا به في الجنة.
* ما أحب الأماكن التي تريد الذهاب إليها في رمضان؟.
- مكة المكرمة للعمرة.
* هناك من يشغلون أنفسهم بمتابعة البرامج الرمضانية والمسلسلات، فهل تتابع وتحرص على برنامج تليفزيوني محدد؟.
- لا أحرص على متابعة برنامج محدد، ولكن حسب الفراغ أشاهد بعض البرامج النافعة في قناة "دليل" أو "المجد".
* ما الساعة التي تعتبرها ضائعة في نهار رمضان؟ وتلك الضائعة في ليله؟.
- هي تلك الساعة الني نغفل فيها عن ذكر الله، وأرجو أن يغفر الله لنا تقصيرنا.
* هل تُفضِّل ارتياد الأسواق مع أهلك في ليالي رمضان؟ ولماذا؟.
- لا أحب الأسواق في رمضان أبداً، وزوجتي أم عبدالله - حفظها الله- تقدر ذلك وتحرص على شراء ما تحتاجه قبل رمضان لها ولأبنائها، وتعرف أنني لا أحب الزحام في الأسواق وأحب الهدوء والتفرغ في رمضان للعبادة والقراءة فتعينني على ذلك، جزاها الله خيراً.
* متى تُفضِّل شراء احتياجات العيد، قبيل العشر الأواخر أم في آخر ليلتَيْن؟.
- عادة أخرج لشراء زكاة الفطر ودفعها ليلة العيد، وأشتري بعض الحلويات أيضاً.
* لماذا يتضاعف إنفاق الأُسَر السعودية بشكل كبير جداً في هذا الشهر الفضيل؟.
- لضعف الوعي بحقيقة الصيام وغايته السامية.
* التبذير صفة ملازمة للأفراد والأُسَر في الشهر الفضيل، كيف يمكننا تجاوز ذلك؟.
- بالتوجيه المستمر، وبذل الجهود الكافية لتوعية الناس بحرمة التبذير شرعاً قبل أن يكون سلوكاً مخالفاً للذوق والأدب، وأعتقد أن النعمة التي نعيشها مع ضعف الوعي تسببت في ذلك، ولو قست الحياة علينا رجعنا مرغمين للاقتصاد، نعوذ بالله من غضب الله ومقته.
* التسول ظاهرة تنشط بكثرة في رمضان، هل تزيده بالصدقات العشوائية أم تحاصره؟ وكيف؟.
- هذا يضايقني جداً ولا سيما في المساجد، وأشعر بحزن شديد لما هم فيه من الفقر وأتمنى أنني أملك ما يكفيهم مسألة الناس، ولكنني بعد تتبعي لبعض الحالات وجدت أكثرهم يمتهنون هذه المهنة دون حاجة حقيقية، وهؤلاء أتمنى أن يتعامل معهم بشكل مناسب، فإني أراهم يكثرون وعامة الناس من أمثالي لا يدرون ماذا يصنعون فنلوذ بالصمت إن لم نتمكن من إعطائهم شيئاً.
* هل تمارس الرياضة في هذا الشهر المبارك؟.
- أمشي أحياناً بعد التراويح.
* هل لديك وِرْد قرآني في رمضان؟ وأي الساعات التي تقرأ فيها، عصراً أم صباحاً أم مساءً؟.
- بعد الفجر وبعد الظهر وقبيل المغرب وأستغفر الله من التقصير، حيث كنتُ قديماً أنقطع للقرآن، ثم انشغلنا مؤخراً ببعض البرامج والدروس فانشغلت عنه بها.
* بصراحة، هل تختم القرآن في رمضان؟.
- نعم ولله الحمد والفضل، على الأقل مرتين أو ثلاث.
* يعتقد البعض أن الدوام طويلٌ ومملٌّ في شهرنا المبارك، ما رأيك؟.
- أنا من هؤلاء للأسف! ولذلك فرحت بالإجازة في رمضان ورفضت الانضمام للزملاء الذين يدرِّسون في الفصل الصيفي لأتفرغ تماماً.
* ماذا عن برنامجك في العشر الأواخر؟ وهل جرَّبت الاعتكاف؟.
- هو برنامجي نفسه لسائر الشهر، إلا أننا نبدأ في صلاة التهجد ويصبح النوم من الصباح حتى الظهر فقط، وقد جرَّبت الاعتكاف قديماً ثم انشغلت مؤخراً في السنوات الأربع الماضية بببرنامج التفسير المباشر في قناة "دليل" كل يوم بعد صلاة العصر فصعب علي الاعتكاف بعدها.
* ما أجمل رسالة وصلتك للتهنئة في رمضان؟ وممن كانت؟.
- كلها جميلة، فالأصدقاء يتخيرون أحسن ما عندهم من الدعاء والتهنئة جزاهم الله خيراً، ولا أتذكر أجملها لأنني لم أتوقع مثل هذا السؤال، وإلا لوازنت بينها وهي كثيرة يصعب عليَّ تحديدها، وأعتذر لكل أحبابي الذين راسلوني ولم أجبهم كتابة وإن كنت أدعو لهم بظهر الغيب.